اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
شرح كتاب النكاح من صحيح البخاري
61783 مشاهدة
باب: تزويج الصغار من الكبار

باب تزويج الصغار من الكبار.
قال أبو عبد الله حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا الليث عن يزيد عن عراك عن عروة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب عائشة إلى أبي بكر فقال له أبو بكر -رضي الله عنه- إنما أنا أخوك فقال له -صلى الله عليه وسلم- أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال .


تزويج الصغار، الصغيرة بالكبير، هذا الباب عقد لذلك، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب عائشة من أبيها أبي بكر لما خطبها بمكة كان عمرها ست سنين، فعقد له أبوها وعمرها ست سنين، ولما هاجر وتمت تسع سنين بنى بها؛ أي دخل بها وبنى بها وعمرها تسع سنين، ومعلوم أيضا أنه -صلى الله عليه وسلم- قد تجاوز الخمسين؛ يعني عمره نحو اثنين وخمسين سنة أو ثلاث وخمسين.
لا شك أن هذا دليل على الجواز، أنه يجوز أن يزوج الكبير بالصغيرة، ويجوز أيضا العكس، فلو أن شابا عمره في العشرين أو نحوه وتزوج ابنة ثلاثين جاز ذلك حسب الرغبة، فلا مانع من أن يتزوج الصغير كبيرة، أو يتزوج الكبير صغيرة، ولا حد للفرق بينهما.
في بعض البلاد العربية التي تدين بالإسلام غلبت عليهم القوانين الوضعية؛ فوضعوا أنظمة، ومنعوا أن يتزوج الكبير الصغيرة، وجعلوا فارقا كعشرين سنة أو خمس وعشرين سنة، يعني إذا كان الفرق بين الرجل والمرأة أنه أكبر منها بعشرين سنة منعوه أن يتزوج بها، وهذا من أثر الاستعمار ومن القوانين الوضعية، وشبهتهم يقولون: إنه في هذه السن يمكن أن يموت عنها، إذا كان مثلا سنه ستين سنة وسنها ثلاثين سنة، فبعد عشر سنين أو عشرين سنة يتوفى عنها، وإذا توفي عنها وعمرها أربعون أو خمسون سنة فإنها تبقى معطلة، لا أحد يرغبها، ذهب عمرها، وذهب زهرة عمرها؛ فيكون في ذلك ضرر عليها، هذه شبهتهم.
ولا شك أن هذا خطأ، وأن الأعمار بيد الله، وأن الإنسان قد يتزوج وعمره ثلاثين سنة وزوجته مثلا عمرها خمس عشرة أو نحوها، ولا يبقى معها إلا قليل، بل إما أن يطلق وإما أن يتوفى، ولا يحصل بذلك ضرر والله تعالى يقول: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ .
والحاصل أن في هذا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب عائشة إلى أبيها، وهي في هذا السن الصغير، ولما خطبها كأن أبا بكر توقف وقال: إنما أنا أخوك؛ وذلك أنه أخوه وصديقه، وأول مَن آمن به مِن الرجال، والذي واساه بنفسه وواساه بماله ونصره وبذل كل ما يملك في نصرته، فاعتبر أن بينهما أخوة.
أقره النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بأن هذه الأخوة أخوة في الدين، وأنها مع ذلك لا تمنع أن تحل له ابنته؛ أي أنك أخي في دين الله، وابنتك تحل لي؛ فإن التحريم إنما يكون بالقرابة في النسب، ليس بالصداقة وليس بالقرابة، ولا بالأخوة في الدين، هذا معنى قوله: أنا أخوك، أنت أخي وهي تحل لي. نعم.